التقالیدو الاعراف القبلیة

لدی القبائل العربیة فی خوزستان(۳)

عیسي دمنی-الاهواز

·  زواج الشغار أو الصدق

هذا النوع من الزواج تعود جذوره الی ما قبل الاسلام في الفترة الجاهلیة هو عبارة عن قول الرجل للآ خر : زوجنی إبنتک أو شقیقتک کي أزوجک أنا في المقابل أختي أو ابنتي ! بحیث تصبح کل من تلکما البنتین بصفة صداق أو مهر للاخری ، الاسلام ابطل هذا النوع من الزواج و أعتبرة مرفوضاً اشد الرفض و جاء في الحدیث أن «لاشغار في الاسلام»1و أفتي الفقهاء الکبار في الاسلام في کافة مذاهبة ببطلان هذا النوع من الزیجات .2 و لکنة و للأسف الشدید لازال یمارس بین الحین و الآخر في بعض المناطق الشعبیة و العشائریة في محافظة خوزستان .3

هذا الزواج یقال لة باللهجة الشعبیة الاهوازیة «الصدق» بکسر الصاد و الدال و هو مما لا شک فیة ینتقص من مکانة المرأة و یحتقر شخصیتها الی حد کبیر و یسحق کرامتها و یصبح منشأًاً  لکثیر من المفاسد و بؤرة لخلافات أسریة و عشائریة کثیرة و معتقدة لا تنتهي بسهولة و یسر و تسبب أحقاداً و أضغاناً في القلوب قد لا یمحیها مضي الایام و تبقی کالنار تحت الرماد جاهزة لأتقاد و الاشتعال حیثما سنحت لذلک الفرص... مثلاً إذا حدث خلاف داخل جهة واحدة واحدة من هذا الزواج الثنائي الجهات – إن صح التعبیر- و انتهي الي طرد المرأة أو هي قامت بترک بیت زوجها الی بیت ابیها فسرعان ما یتم طرد تلک الزوجة –اخت هذا الرجل الذي طرد زوجتة ! الی بیت أبیها أیضاً و یصبح سلاح ذوحدین اذا إنتهی الخلاف بتطلیق واحدة فسیقوم الطرف الاخر بالمقابلة بالمثل و ستطلق تلک المراة کخطوة صارمة للرد الحاسم!

و علی هذا لم یکن هذا الزواج مبروکاً او مسعوداً بل تسبب بالکوارث و الویلات علی ضحیاتة المظلومات ...

في مثل هذة الظروف تفقد المراة المسکینة أمنها و استقرارها في الحیاة و تظل الاسرة معرضة للتقسخ و الخطر الداهم دون ذنب أو قصور یصدر من المراة ...

فالي متی نبقي قابعین خلف قضبان القبیلة کارهین فتیاتنا علی إطاعة أجلاف جناة لا یحکمون ذرة من الایمان او الانسانیة یتحکمون بمصیر بناتنا و فلذات اکبادنا و یحرمونهن من ممارسة دورهن في الحیاة ... قال تعالي و لاترکنوا الی الذین ظلموا فتمسکم النار ...

وهذا ظلم کبیر بحق شریحة النساء والظلم ظلمات یوم القیامة کما قیل...

· زواج الفصلیة :

الفصلیة هي إمراة تدفعها العشیرة التي ینتمي الیها الشخص القاتل بعنوان فصل إلی عشیرة الشخص المقتول ! لحسم النزاع و فصل الخلاف و یقومون بدفع المرأة بدل إعطاء النقود – حسب قول بعضهم – أنما لتکوین علاقة مصاهرة و قرابة سببیة لتبدید الأحقاد و إزالة الاعداء و الخصومة و الکدورة القائمة بین العشیرتین بسبب حدوث جریمة القتل أو جریمة اُخری ...

غالباً ما یتم هذا النوع من الزواج دون إرادة المراة حیث یتم تزویجها لأحد أعضاء اسرة الشخص المقتول و هو علی انواع منة نوع یقال لة «مجرورة الگصایب»! اي الفتاة التي جرها أبطال العشیرة !!! من ضفائرها لیدفعوها – علی الرغم من عدم رغبتها – إلی الطرف الاخر .... هذا المصطلح القبیح و القذر «مجرورة الگصایب » ینادي بأعلی صوتة ان هذة المراة المسکینة سوف تدفع الی شخص یعتبر عدواً لأقاربها ... سواءاً أکان ذاک الشخص الذي ستتزوجة هذة المسکینة شاباً أم شیخاً او مریضاً أو مدمناً و هي لازالت في عنفوان شبابها و ریعان عمرها!! من الواضح أن مثل هذة الشریحة من النساء الضحایا سوف ینتظرهن مسیر مؤلم مقروناً بالفقر و الحرمان و المسکنة ... و عادة ما یواجهها أسرة زوجها القسري ! بمعاملة جافة و قاسیة و متسمة بالأحتقار و الأهانة ...

الشریعة الاسلامیة ترفض هذا الزواج الذي تقاد الیة المرأة دون أختیارها مرغمة مجبرة و مکرهة و تعتبرة باطلاً من الاساس حیث رضا المراة شرط اساسی في صحة و سلامة الزواج و کذلک رضا الزوج ... فلا حاجة إذن لبیان أن العقد الذي یتم دون رضایة إحدي الطرفین باطل لا شرعیة له, ...

لأن الأسلام کما مرّ آنفاً فوض المراة حق تقریر مصیرها و خولها اختیار شریک حیاتها ... لقد علمنا الرسول الکریم محمد صلي علیة وآلة و سلم کل هذة التعالیم في سیرتة المبارکة و سنتة المطهرة کما ورد في سیرتة علیة الصلاة و السلام عند مایأتیة أشخاص لطلب ید بناتة أو کریماتة (ص) یشترک رضایتة بکسب رضاهن قبل أي شيءٍ آخر و حدث ذلک حتی حینما جاء الامام علي خاطباً إبنتة السیدة فاطمة الزهراء.

فلم یعلن موافقتة لذلک الزواج الا بعد أن أذنت له ابنتة وأعلنت موافقتها سلام الله علیها... هذة نبذة عن زواج الفصلیة و هناک الکثیر من النماذج موجودة في أوساط مجتمعنا العشائري تزرح تحت نیر هذة الزیجات الباطلة فمن المسئول یا تری عن هذة الاعمال الاجرامیة و الانسانیة التي تقترف بحق المراة ...؟!

·  زواج المنذورة

هذا النوع من الزواج عبارة عن تزویج فتاة نذرها والدها أو والدتها للزواج من أحد السادة من سلالة الرسول(ص) و هذا العمل أیضاً إعتداء علی کرامة المرأة و تحدید حریاتها و هو باطل من الاساس لأنه لم یتم بأرادتها و رغبتها الخاصة و قد یبدو للبعض من ذوي النفوس الضعفیة و الأیمان الشکلي غیر العمیق أن هذا العمل هو دلیل واضح علی عمق ولاءنا و جبنا لذریة الرسول(ص) و هو فعل قیم فیة الاجر و الثواب ...!! یجب ان یعلم هولاء البسطاء السدج أن هذا النذر غیر صحیح من المنظور الشارع المقدس لأن متعلق النذر یجب أن من فعل المکلف نفسة لا أن یصدر هذا النذر من شخص آخر و في مسألة الزواج کما أسلفنا یستوعب رضا البنت نفسها لا أن یقرر الآخدول تزویجها بهذا الشکل العجیب و الغریب ... !

طبعاً إذا کان علی شکل مقترح یقدم للفتاة و تقبل هي بعد إجراء التحقیقات و التثبیت من کفاءت ذلک الشخص السید، فلا یوجد في هذة الحال اشکال شرعي ولکن لا یجوز أجبارها من الزواج مع اي شخص کان سواءاً من سلالة النبي أو غیرة و لا یتم عقد النکاح الا عن طریق رضایة الطرفین . 

· زواج الأحسان او الزیان

و هو من الزیجات القبلیة الباطلة یقوم فیة کبیر العشیرة بتقدیم إحدي بنات عشیرتة بصفة «احسان» أو «الزیان» الی العشیرة الاخری في مراسم الفاتحة من اجل المواساة و المشارکة في العزاء بل و إنهاءه في یوم الفاتحة الأخیر تضامناً من عشیرتة لتلک العشیرة المفجوعة بالمصاب أو بموت أحد رجالها و تدفع البنت بصفة هدیة !!! الی العشیرة الأخری لیزوجوها من شاؤوا من شبانهم أو حتی تتخذ تحت عنوان زوجة ثانیة أو ثلاثة لصاحب المصاب و الفاتحة أو لعلة لأسرتة و أخوانة أو سائر أعضاء القبیلة ...! هذا العمل أستهتار بکرامة المرأة في وضع النهار و هو قطعاً مخالف لمبادي الانسانیة و الشرع الحنیف و یجب العمل علی تثقیف المجتمع القبلي للحیلولة دون الاستمرار في سحق حقوق النساء و جعلهن سلعة رخیصة لتمریر خططهم المختلفة في البقاء علی تلک التقالید القدیمة البالیة المخالفة لکافة الدساتیر الالهیة و القوانین البشریة تحضرني قضیة حدثت في الاعوام الماضي لازالت تشغل حیزا واسعا من ذهني و هي تخص موضوع البحث لایخلوا ذکرها من فائدة للمجتع واتعاظ بما جري في تلک القضیة ... أتذکر أن رجل دین خطیب رقي المنبر في المجلس فاتحة سید ذي شأن في الوسط القبلي لیعلن تقدیم زیان قدرة «ثلاث علویات» ! مهداة من قبل أحد السادة الکبار – في الشأن و النسب لذوي المصاب أو بالأحري لأولادة الذکور ...!!

أنه خبر مدهش حقاً لم یکن بمقدورنا أن نصدقه کیف یتجرأ رجل منبري و خطیب یشکل تبلیغ الاسلام و نشر تعالیم مذهب اهل البیت علیهم السلام شغلة الشاغل و وظیفتة الاساسیة علی الحط من منزلة المراة بهذا الشکل السافر و إعلان هذا الزیان السئوم و المختلف من علی منبر الوعظ و الارشاد الدیني ؟! من هنا یستشف لنا أن الاسلام لم یحتل بعد مکانتة اللائقة في أوساط المجتمع بل لا زالت الثقافة و التقالید القبلیة هي سید الموقف ...

· أکراه البنت علی الزواج من إبن العم :

صحیح أن هذا الموضوع قد مر ذکره في الفصل «النهوة» لکنة لم یشبع بالبحث و الدراسة الکاملة لأنة لکثرة شیوعیة و رواجة في الوسط القبلي یستلزم العنایة و أجراء الأبحاث و الدراسات الاجتماعیة و الثقافیة و النفسیة بغیة هنا تحدید اسباب إکراة الفتاة علی الزوج من ابن عمها في زماننا الحاضر و ان کان هنالک من یزعم أن هذة المسألة قد تضاءلت و قلت في هذا الوقت إلا أنها تفرض نفسها بقوة و هي لازالت موجودة و تمارس بین الحین و الآخر في مناطقنا الشعبیة المدنیة من حیث المستوي الفکري و الثقافي و الاجتماعي ...

لذلک تتطلب معالجة شاملة علی المدی الطویل و أنا أقبل بأنها کسائر نظیراتها من التقالید الاخری لازالت متجذرة و متأصلة في ذوات الافراد القبلیین الذین نشأوا و ترعرعوا علی هذة الانماط و الاشکال الحیاتیة القدیمة غیر أن ترکها بهذا الشکل أیضاً یعتبر دعمها و مساندتها بل إنما یجب بذل الجهود لدراسة سبل القضاء علیها بشکل تدریجي و أفضل السبل بر أي الکاتب هي تنویر افکار هولآء الفئات و الشراذم الذین یقومون بهذة الأعمال البدائیة و من ثم العمل علی نشر الوعي و الثقافة العصریة في المناطق الشعبیة بغیة التأثیر علی عقلیاتهم الظلامیة لمواکبة روح العصر و إجتیاز تلک الافکار القدیمة .

و کل هذة المراحل بالطبع لا یمکن تمریرها ألاعبر عمل ثقافي جذري و شامل مدعوم من قبل الجهات الحکومیة المعنیة بالشؤون الثقافیة و الاجتماعیة سوآءاً من حیث توفیرها الامکانیات المادیة اللازمة أم توفیر الدعم المعنوي و الاعلامي المطلوب ویجب تضافر الجهود للقیام بهذا العمل الحضاري العظیم من العبور من مرحلة التقلید و البدواة الی مرحلة التحدیث و العقلانیة و العصرنة ...

و سنتحدث حول هذة المواضیع اکثر تفصیلاً في الفصول القادمة من هذا البحث حول دراسة التقالید القبلیة في مجتمعنا العربي في خوزستان ...

نقول عوداً علی بدء أننا لا نخالف من حیث المبدأ زواج البنت من ابن عمها في حال رغبتها و رضاها بذلک و لایترتب علی مثل هذا الزواج أیضاً أي إشکال شرعي و لکن ما نبحث عنة حول إکراه الفتاة و سلبها حریة الأختیار و الأمر یبدوا واضحاً تماماً لذوي العقول الناضجة أذا ما دققوا قلیلاً و أرادو الأطلاع علی الواقع و لکن هنالک آراء و نظریات حدیثة تؤکد بل و تشجع أیضاً علی ترک الزیجات بین الأقارب سنتطرق الیها فی المستقبل .   


۱- صحاح الجوهری ج/۲ ص ۷۰۰

۲-منهاج الصالحین للسید الخوئی ج۲ /ص۲۷۸

۳- طبعاْ اذا قام شخص بتزویج اخته الی شخص آخر بمهر معین وتزوج ایضا باخت ذلک الشخص بدفع المهر او الصداق فلایترتب علیه اشکال شرعی فی مثل هذه الحال.