استشيروهن وخالفوهن!!!
استشيروهن وخالفوهن!!!
من سبي بابل وملكة سبأ ونفرتيتي، كانت المرأة شاء الرجل أم لم يقبل جزءاً مباشراً أو غير مباشر في صناعة الوجود البشري وتقدم الإنسانية. وإن كانت النساء في الحقبة قبل الأبوية لم يخترعن حق الأمومة رغم امتلاكهن ما يسمح بذلك فقد اخترع الرجل ذلك تاركاً "حقوق الأب" تؤثر على مفهوم الحق نفسه باعتباره بدأ كمفهوم سلبي يعطي للرجل ويحرم المرأة.
يعكس القرآن قسمة السراء والضراء الطبيعية بين الجنسين قاسماً مسؤولية الخطيئة الأولى في نزول الإنسان إلى الأرض بين آدم وحواء. ولم تنجح كل الأيديولوجيات الأبوية الطابع في الصمود أمام الواقع البشري الذي جعل من المرأة، ككائن اجتماعي وطرف أساسي في الشأن العام، وكم كنت أسخر من جملة "استشيروهن وخالفوهن" التي يكررها أئمة الاستبداد وأنا أقرأ دور المرأة في التكوين الثقافي والذهني عموماً لعمالقة البشرية.
بالرغم من أن معظم القوانين المدنية العربية تستند على مبدأ المساواة بين الجنسين إلا أن التمييز ضد المرأة يعود بالدرجة الأساسية إلى التنشئة الاجتماعية التي ترتبط بأنواع من السلوك السائد في المجتمع العربي المحافظ، هذه التنشئة تعطي للذكر كل الصفات الحميدة وتظهر الإناث في مرتبة أدنى وتسعى إلى حملهن على قبول هذا الوضع باعتباره من الأمور المسلم بها حيث تؤكد هذه الأدوار في الأسرة والتعليم الرسمي والإعلام. هذه التنشئة تحد من قدرات المرأة وإمكاناتها ومهاراتها وتضيق من قدرتها على الاختيار أيضاً وعلى المشاركة الإيجابية في التنمية وحركة التطور في المجتمع. ولقد تبين أن النساء يتعرضن بشكل عام لعنف أسري ومجتمعي واسع دون أن تكون هذه الممارسة ضد المرأة موضع مؤاخذة أو مساءلة لأنها لا تعتبر جريمة، ويقبلها المجتمع باعتبار أنها سلوك لازم لإعداد الإناث لدور مستقبلي حيث تبقى المرأة تحت وصاية الرجل وقوامه مهما كانت سنها ومركزها الأسري والعملي.
الموروث الاجتماعي والثقافي:
في مجتمعنا العربي تغرس الكثير من المفاهيم التحيزية ذات الترجيح لصالح الرجل وما يمكنه للسير بعيدا في مستوى التسلط وطغيانه على المرأة، ويسود السلوك السلطوي في بيئتنا العربية بعامة والأسر بشكل خاص، فالأب التسلطي المهيمن يمثل نموذجاً للسيطرة والذي يعتبر كافة أفراد الأسرة نموذجاً للخضوع، ويرتبط بالسلطوية الموروث الاجتماعي الذي يظهر في تفضيل إنجاب الذكور على الإناث الأمر الذي يزيد من فرص العنف لا سيما إذا كان المولود أنثى، وعموماً ثقافة المجتمع السائدة التي تمجد سلطة الأب وسلطة الذكر تفتح المجال للعنف وبخاصة عنف الرجال على النساء لأنهن الأضعف، ونتيجة لتدني مستوى التعليم وانتشار الأمية والفقر والأمراض فأن الكثير من القوى المجتمعية تستغل ذلك التفسير الخاطئ للدين في توظيفه وتبريره للعنف ضد المرأة بل ويجري في العديد من الحالات تجاهل تلك النصوص الدينية الصريحة والواضحة لصالح حقوق المرأة، بل ويتم الاسترشاد بالعادات القديمة.
وفي مجتمع محافظ تنتشر فيه السلطة الأبوية ويحرم فيه إفشاء الأسرار العائلية كجزء من خصوصية الأسرة لا يجب أن يطلع عليه الغرباء حتى لو تضرر أحد أو بعض أفراد الأسرة من جراء ذلك، لذا نجد أن موضوع التمييز والعنف يحاط بقدر من التكتم والخصوصية وهذا يؤدي إلى معاناة المرأة في صمت وبالتالي تغييب موضوع التمييز والعنف من التداول الرسمي وبالتالي غياب المؤسسات القضائية والاجتماعية التي تهتم بضحايا العنف في المجتمع.
في مجال عمل المرأة بالرغم من ممارسة المرأة لحقها في العمل إلا أن النظرة لها كأنثى لم تتغير. وأصبحت تدفع ثمن أنوثتها في كل أدوارها الاجتماعية. إذ مازالت المرأة تعاني تمييزا كبيرا على أساس النوع في حصولها على الفرص الاقتصادية وتمكينها الفعلي اقتصاديا. ففي معظم البلاد لا تزال المرأة محرومة من التحكم في صنع القرار أو المشاركة على المستوى الرأسمالي والقروض والملكية.
كما أننا نجد أن مجتمعنا العربي يميل لإيجاد مبرر للزوج، الأخ، الأب عندما ينتهكون حرمة الأنثى فقد يتّخذ أحياناً وسائل كالترهيب أو اللجوء لأساليب الغاية منها إلغاء شخصية المرأة أو التقليل من قدراتها العلمية والجسدية مما يعرقل تطورها ويقضي على فاعلية دورها في المجتمع. ويمكن بلورة العوامل التي تؤدي إلى انتشار التمييز و العنف ضد النساء لعدة أسباب أهمها:
1. انتشار الأمية بين صفوف النساء.
2. جهل الكثير من النساء بالقوانين والتشريعات الكافلة لحقوقهن وللسبب الأول علاقة كبيرة بالسبب الثاني.
3. سيطرة الأعراف والتقاليد الموروثة وبناءً عليها يتعامل الرجل مع المرأة بل أحياناً كثيرة تتعامل المرأة نفسها مع هذه الأعراف والتقاليد وكأنها واجب أو قدر مكتوب عليها الخضوع له.
4. تدني مستوى النمو الاقتصادي وخاصة في المناطق الريفية والقرى والنواحي البعيدة عن العاصمة والمدن الرئيسية.
5. غياب السياسيات والبرامج المتصلة بالعنف ضد المرأة.
6. عدم معاقبة مرتكبي العنف ضد النساء والفتيات.
7. الافتقار لمراكز الإرشاد الأسري لتمكين النساء والفتيات من اللجوء إليها.
8. غياب الآليات المؤسسية التي تمكن من الإبلاغ عن حالات العنف الواقعة عليهن.
9. الافتقار إلى الموارد المالية لإنشاء المؤسسات التربوية للنساء والفتيات اللاتي تعرضن للعنف وتمويل البحوث المتعلقة بالمشاكل الخاصة بالعنف ضد المرأة.
10. غياب الإشراف والرقابة على تطبيق التشريعات والقوانين المتعلقة بالمرأة والطفل.
11. كل تلك التناقضات مع بطء التغيير في أساليب التنشئة الاجتماعية وتدهور معدلات النمو الاقتصادي وزيادة حدة الفقر وارتفاع معدلات البطالة واستمرار التمييز لصالح الذكور، كل هذه العوامل أدت إلى زيادة الشعور لدى المرأة بعدم الأمان والشعور بالدونية والقهر.
12. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هل يمكن لنشيطات حقوق الإنسان في ظل هذا الوضع المحافظ في الوطن أن يعملن بمعزل عن الحركة العالمية لحقوق الإنسان؟
لا تنفصل قضية النضال من أجل حقوق الإنسان وقضية حقوق المرأة في صلبها عن مسارها الدولي، فقد أصبحت حركة حقوق الإنسان حركة عالمية تتخطى الحدود الجغرافية وتتواصل عبر القواعد الأساسية التي حددتها المواثيق الدولية المتعددة.
وقضية حقوق الإنسان يجب ألا تكون معزولة عن التيار العالمي وهي وإن كانت لها عقباتها المعوقة وتعقيداتها الخاصة لأبدو أن تتأثر بالمناخ الدولي وتستفيد منه بعد أن أصبح لخطاب حقوق الإنسان خاصة في السنوات العشر الأخيرة موقعه المؤثر وأولويته في مجال العلاقات الدولية بشكل لم يسبق له مثيل.
أن معركة النساء من أجل حقوقهن تعد من أصعب معارك التغيير في العالم العربي، ومعركتهن في الدفاع عن حقوق الإنسان في نقاطها الساخنة مثل حرية المعتقد وسلامة الجسد أصعب من معركة الرجل، ومن الضروري التذكر دائما أن نضالهن ليس حقوقياً فقط وإنما تنويري يهدف لوقف عملية تدنيس الوعي.
من : نشيطات حقوق الإنسان بين الواقع المؤسسي والحقوقي