لا زال على قيد الدموع

 رسول بلاوي 

  سمعت عنه الكثير ممن كان لهم شرف التلمذ لديه في جامعة عبادان قسم اللغه العربيه و آدابها، يقال عنه إنه استاذ بارع  لا يشق له غبار في تدريس مادة البلاغة، يسحر الجميع بتواضعه. لم ألتقِ به من قبل لكنني أحببته، فكما قال الشاعر بشار بن برد: ( و الأذن تعشق قبل العين أحيانا ).

شاءت أرادة الله ان انتقل الى مشهد المقدسة حيث الامام الرضاء (ع) لمتابعة دراستي فهناك تعرفت على هذه الشخصية الفريدة من نوعها التي قلما نجد لها مثيلا في تاريخ البشرية.

 

نگارش

                     انه غني عن التعريف، الأستاذ الدكتور محمد نگارش ،  ولد في قرية الفياضية من توابع عبادان. بدأت مسيرته الدراسية الابتدائية و الثانوية في مدينته و أكمل المتوسطه في الخلفیه(رامشیر). ثم التحق بعدها بجامعة الشهيد شمران في الاهواز. أما دراسته العليا على مستوى الماجستير و الدكتوراه فقد أكملها في جامعة فردوسي الواقعة بمشهد. و أصبح عضو اللجنة العلمية في هذه الجامعة و أخيرا رئيسا لمكتبة كلية الآداب و العلوم الانسانية بعدما قضى ردحا من حياته مدرسا في التعليم و التربية و محاضرا في جامعة عبادان و جامعة بوشهر.

     الدكتور محمد نگارش ذو شخصية قوية محترمة و يصفه الجميع بأنه ذو قلب عطوف و صدر واسع بسعة البحر. يشهد له جميع الطلاب بأنه أب رؤوف و أستاذ عطوف يتمنى الخير للجميع. و إهتمامه بزيه و آدابه الحميدة و حضوره المنظم في الصف‘ أصبح أمرا مألوفا بين الجميع الى درجة لم يره أحد الى الآن تغيرت أناقته‘ أو أهمل درسه. و يمكن القول بشكل عام انه استاذ انيق و منظم في ظاهره و باطنه.

    كان استاذا مدرسا ناجحا أمينا على خدمة الطلاب و رعايتهم و قد بذل جهودا مضنية في نقل العلم الصحيح الى اذهان الطلاب و الخلق الكريم الى نفوسهم. إنه كان هادئ الطبع‘ جم التهذيب ، نعشقه في الله لدماثة خلقه، تعلو شفتيه ابتسامة ساحرة فيها شيء كثير من الاتزان و الوقار و النضج المبكر.

    على أن دماثة خلقه و هدوءه و اتزانه، فضلا عن مخزونه العلمي و الثقافي الكبير، الذي يوظفه كيف يشاء و يستثمره، الى أقصى حد، قد مكن له في النفوس قبولا طيبا، و في القلوب محبة و احتراما كبيرين، رغم ما ينشأ من الاختلاف معه في الرأي فيقول عنه  الدكتور محمد باقر حسيني في هذا الصدد: ( ان الخلافات التي تنشأ بيننا أحيانا في وجهات نظرنا السياسية و العقائدية، لم تأثر على صداقتنا أبدا).

    الدكتور نگارش  في كل مسألة ناقشها تجد له بصمة، و في كل مدينة عمل فيها ترك آثارا طيبة. انه جامعة متنقلة صيغت على شكل رجل و سُميت محمد نگارش . انه الأب الروحي لأجيال متعاقبة تتلمذت على يديه.  قدم لهذا الوطن الشيء الكثير، فقد أرهق جسمه و فكره في سبيل خدمته و نصرته.

    هذا الرجل الذي نذر نفسه للعلم متخذا اياه دورا يهدي به الأجيال الى طريق الحق و العزة و الانعتاق متمما رسالة الأنبياء في التبليغ و إجلاء الحقائق و خدمتها، مؤديا بذلك الأمانة الملقاة على عاتقه بكل صدق و صبر، لم يثره قول حاسد و لا افتراء مفتر، و ها هو ينتقل باحثا عن مواطن الرباط  ليشد اليها رحاله مترفعا عن مكاسب الدنيا الفانية و متاعها الزائل.

  فارقت الحياة روحه الطيبة الطاهرة يوم الجمعة 89/8/7  في الخامسة و الاربعين من عمره اثر شظية خلفتها الحرب في صدره المبارك فنقل جثمانه بطائره من مشهد المقدسة الى الاهواز و من ثم بسيارة اسعاف الى عبادان حيث مسقط رأسه قرية الفياضية و قد حضر تشيع جثمانه جمع غفير من الأساتذه و الطلاب وفدوا من كل صوب و حدب يرثونه و يبكونه بكاء الثكلى لعزيزها.

 يقول عنه الدكتور محمد باقر حسيني (استاذ مشارك في جامعة فردوسي و صديق الدكتور نگارش): حقا انها مصيبة عظيمة. لقد فقدت صديقا وفيا بل أخا حميما و نقيا، لم أر و لن أرى نظيرا له في الصداقة و الأمانة و في النجابة و الكرامة. لقد أحاطني حزن لا أقدر الصبر عليه  و لا يمكن  لي منع العين من البكاء.

   عاشرته ردحا من الدهر في مشهد لا يمر يوما الا و كحلت عيني بطلعته البهية و متعت ناطري بسيمائه المبارك الذي يدل بوضوح تام على حسن طويته و سريرته. الى أن إقتطفته يد المنون و أضرمت في سويداء القلب نيرانا ملتهبة تتأجج كلما أذكتها رياح الذكريات، فخلفنا في حزن لا يهدأ لنا قرار و لا ترتضي مآقينا الجفاف بل آثرت البكاء  سجية و ديدنة لها.

     رحم الله فقيدنا و تغمده في فسيح جناته و جعل قبره روضه من رياض الجنة و صب عليه شآبيب الرحمة و العفو و الغفران و جعل ملتقانا الفردوس الأعلى.

 

  رسول بلاوي

( طالب دكتوراه في اللغه العربية و آدابها في جامعه فردوسي)