حیّ علی العمل الثقافی

محمد أمین – الأهواز

کانت أفکاری مشوشة و مضطربة عندما نهضت من منامی ، لم یکن نوماً مریحاً بل کان الصداع هو سید الموقف کما یحدث دائماً فی حالات مشابهة ، هذا الصداع لم یکن بلا سبب فلقد تشاجرت مع مسئولی فی العمل لأن کلامه لم یکن منطقیاً و کان ینطلق من باب الظلم و السلطة الغیر مسئولة و ...

 و بلا رقابة ، غلست وجهی بماءٍ بارد لأریح نفسی من الصداع و شرعتُ بإحتساء الشای الذی أعدتهُ زوجتی و سرحت بأفکاری قریباً ثم بعیداً .
تذکرت ما قاله صدیقی الذی ارتاح برفقته کثیراً ، لیلة البارحة عندما نقل لی عن موقف صدیقنا المشترک الآیس من العمل الثقافی لما یشاهده من تخلّف قََبَلی متفشّی فی المجتمع و التقالید البالیة و العادات السائدة الغیر صحیحة وعدم جدوی القیام بالاعمال الثقافیة لهذا المجتمع المتخلّف - حسب قوله - و عزوفه عن العمل الثقافی و ابتعاده عن الساحة الثقافیة بعد ما کان نَشِطاً للغایة و له حضور فاعل فی الأساط الثقافیة و أحد الاسباب لهذه التصریحات نشوب صراع قبلی فی الآونة الأخیرة بین عشیرتین فی أحدی مناطق الاهواز حیث أسفر عن عشرات الجرحی و المصابین.
تخطر فی بالی حکایة ذلک الحاکم الحکیم عندما أراد أن یختبر شعبه فوضع صخرة کبیرة علی الطریق المؤدّی ألی المدینة لیری ردة فعل المواطنین ، کانت المارة تمر من ذلک المکان و عندما تصل الی الصخرة الکبیرة تلتف حولها غیر آبهین لها و بجهود مضنیة یجتازونها عبر الوحل و الحجارة و لا احد یسعی لأزالتها و أبعادها عن الطریق و کان الحاکم یراقب الحالة من مکان قریب ، ثم بعد فترة من الزمن أتی شخصاً قوی البنیة و شمّر عن ساعدیه و دار حول الحجر و أمعن النظر فیها و هام لیزحزحها ثم رجع و قال مالی و هذه الصخرة ، لماذا أنا ، لماذا لم یکن غیری ثم هؤلاء الناس الذین إعرفهم لا یستحقّون هذه الجهود ثم إتخذ سبیله و مضی .

بعد فترة أتی شاباً علیه ثیاباً مندرسة و لکن نظیفة فعندما رأی الصخرة الکبیرة أخذ یدور حولها و عزم علی إزالتها عن الطریق ثم أطرق رأسه و بات یفکّر فی کیفیة زحزحة هذه الصخرة من مکانها و إزالتها و بعد لحظات شرع یحفر تحت الصخرة و بمحاذاة الطریق و واصل الحفر نحو الخارج و زحزحة الصخرة لمدة طویلة و کان الحاکم یراقب هذا المشهد عن کثب ، و بعد جهد طویل و مثابرة و متابعة و همة کبیرة من ذلک الشاب تدحرجت الصخرة و أزیلت عن الطریق ، عندها خرج الحاکم و سأل الشاب : « لم قمت بهذا العمل » قال الشاب : « رأیتها مسئولیة فی عاتقی علیّ إنجازها » ، قال الحاکم : « لمَ لم تدعه لغیرک لینجزه » أجاب الشاب : « لماذا أدعه لغیری ، لماذا أنا لا أنجره » قال الحاکم للشاب : « أحسنت صنعاً یا بُنی أکمل عملک و أحفر فی مکان الحجر » و لمّا حفر الشاب فی ذلک الماکن وجد کیساً مملؤاً من الذهب .
کثیراً من النشطاء الثقافیین بعد الخوض فی عملٍ ثقافیٍ أو عدة أعمال یریدون أن یغیروا وجه المجتمع بین لیلةٍ و ضحاها و عندما یصطدمون بإمر الواقع تسیطر علیهم حالة من الیأس و الأکتئاب کأنهم لم یعیشوا فی هذا المجتمع و لم یتعرفوا علیه من قبل و لم یعلموا بماذا یمر و فی أیّ ظرف یعیش ، فیصیبوا بالاحباط ثم یترکوا الساحة الثقافیة من غیر رجعة کما ترک ذلک الشخص القوی البنیة تلک الصخرة و مضی فی سبیله .
أدعو جمیع النشطاء بالاستمرار فی العمل الثقافی و بذل الجهد و المثابرة کما فعل ذلک الشاب عندما ازال تلک الصخرة بعد جهود طویلة و سعیٌ بلیغ و فاز بجائزة الذهب ، فعلینا العمل ثم العمل ثم العمل و یجب الاستمرار رغم الصعوبات و العوائق ، و لا نستجیب للیأس و الاحباط فلیکن شعارنا حی علی العمل الثقافی .