الإنسان الصالح أم المواطن الصالح ، من هو المطلوب

الإنسان الصالح أم المواطن الصالح ، من هو المطلوب

 محمد أمین – الأهواز

 

لا شک أن من أهم إهتمامات الشریعة الإسلامیة هی تربیة أفراد المجتمع و تثقیفهم بقیم سامیة و اخلاق رفیعة حیث تسعی لإنشاء مجتمع راقٍ و متطور یلیق بمکانة الإنسان فی کل الأزمنة و الأمکنة و الشاهد علی ذلک الحدیث الشریف للنبی الکریم ( ص ) الذی یقول : « إنّی بُعثتُ لأُتمم مکارم الأخلاق » و هؤلاء الافراد هم الخلایا و الاجزاء التی تشکل المجتمع .

بعد هذه المقدمة الوجیزة نرید أن نبحث فی مقولتین ربما فی الوهلة الأولی متشابهتین من حیث المعنی و لکن اذا أردنا التمعّن و التعمّق فی تعریفهما نری بوناً شاسعاً و فرقاً کبیراً بین هاتین المقولتین و هما المواطن الصالح و الإنسان الصالح .

نری فی جمیع المجتمعات ، سواء المجتمع الراقی من حیث الرفاه و الاقتصاد و التقنیة أو المجتمع المتخلّف من هذا الحیث ، وجهاً مشترکاً و هو السعی ألی تربیة المواطن الصالح أی بمعنی تثقیف أفراد المجتمع علی نمط خاص و إرساء قیم محددة مبنیة علی أسس و موازین تخدم النظام السیاسی لها.

و الأمثلة علی ذلک کثیرة فالنظام الرأسمالی یسعی الی ترسیخ و ترویج الثقافة الاستهلاکیة و المواطن الذی یشذ عن هذه القاعدة یُعتبر مواظن متخلّف و غیر مرغوب فیه و أما القیم فی الأنظمة الدیکتاتوریة للمواطن الصالح هی عبارة عن الالتفاف حول الزعیم و الفرد الواحد و التقرّب الیه و النظر الیه کفرد کامل و منزّه و الابتعاد عنه ضلال و فساد و من یتقرّب الیه اکثر فهو مواطن صالح اکثر و مرغوب فیه اکثر و هکذا فی باقی الأنظمة و المجتمعات .

الانسان أم المواطن الذی یتثقف علی هذه الانماط برغم أنه یُعد فی مجتمعه مواطناً صالحاً و لکن اذا خرج من ذلک المجتمع و دخل مجتمع آخر له نظام آخر و  قیم و ثوابت مختلفة أخری لا یُعد کذلک حسب القیم للمجتع الجدید و هذا التعارض یکمن فی تغییر الأسس و الموازین التی مبنی علیها ذلک المجتمع .

و خیر مثال علی ذلک المستشرقین و المستعمرین الغربیین الذین أتوا الی بلاد المشرق و عاثوا فیها فساداً و ظلماً رغم أنهم یُعدّون مواطنین صالحین حسب القیم و الموازین لبلادهم ، فجلبوا لبلاد الشرق الدمار و الاستثمار و الرق و العبودیة و الویلات و القتل و النهب و الخراب و کانوا فی مجتمعاتهم یعدون أناس طیّبون و مواطنون صالحون .

أما الانسان الصالح الذی تطمح الیه الشریعة الأسلامیة هو الانسان أو الفرد الذی یکون مصدر خیر و إحسان فی أی زمان و مکان و لدیه قیم ثابتة لا تتغیر حسب الزمان و المکان أو الأهواء و هی القیم الأسلامیة التی جاءت فی القرآن الکریم و التی وصلتنا عن طریق النبی الکریم (ص ) و الأئمة المعصومین ( ع ) و المثال علی ذلک المسلمین الذین فتحوا بلاد الأندلس ، الیوم نری الأثار و العمران الذی خلفّوه من بعدهم حیث نجحوا فی بناء حضارة عصریة حسب معاییر ذلک الزمان و شیدوا قصور و أبنیة عملاقة و ایضاً نجحوا فی أرساء قوانین اجتماعیة تکفل حقوق جمیع المواطنین من مسلمین و نصاری و یهود و هذا الامر ناتج عن التربیة الاسلامیة للأنسان الصالح حسب قوانین و دستورات الشریعة المقدسة .

کان النبی الکریم ( ص ) هو المعمار الاول لبناء هذه التربیة و کان دائماً یوصی بمکارم الاخلاق و أعمال الصالحة و حتی فی الحروب کان ینهی من تسمیم السهام و قطع الشجر و الاجهاز علی المجروح و أرعاب النساء و الاطفال و من خلال سلوکه و احادیثه علّم المسلمین علس فعل الصواب حیث قال الله تعالی فی کتابه الکریم ( و لکم فی الرسول أسوة حسنة ) .

کتب فی یوم من الایام أبی الدرداء الی سلمان الفارسی و طلب منه المجئ من الشام الی مدینة النبی ( ص ) و سمّاها ( المدینة المقدسة ) فاجابه سلمان أن الانسان هو الذی یعطی القداسة للارض من خلال أعماله و ما یقوم به من خیرٍ فی سبیل اسعاد الآخرین .

فالانسان الصالح حسب ما تعلمه من الشریعة الاسلامیة لا یتغیّر من زمان الی زمان و من مکان الی مکان و ذلک علی عکس المواطن الصالح الذی یتعامل مع القوانین حسب الازمنة و الامکنة المختلفة .