الصندوق الخشبی
الصندوق الخشبي(قصه قصیره)
حسین طرفی علیوی
۱۶/۱۰/۲۰۱۰
أصوات صاخبة تأتي من النافذة و توتر اللحظة الراهنة التي رسمت ابتسامة كئيبة على شفتي الرجل العجوز. عقارب الزمن تمشي على الحائط و تغمر وجهه بالخواطر:
شكرية _ بنت الجار المرحوم الحاج خيرالله _ تضع القوري على المنقلة و تلتقط المنقاش و تعدل المطال على شكل مقوس بمحاذاة القوري و تبارح المكان مسرعة جاعلة من الخجل يفوح في ساحة البيت و هو يرقبها من داخل الديوانية. تدخل عليه أم حسن و ترد الباب فترحب به و هي تلف الشيلة على رأسها و تعقفها بالچلاب:
ـ هلهْ و مرحبا امّك اشلونههْ ابوك اْشلونه زينْ
ـ الله يخليچْ إنتمِ اْشّلونكم شاْخبارِ اْحْسوني
ـ بعدْ عينيْ بعدْ چبديْ
ما اذا كان يحول بصره نحو باب الديوانية فيرى ظل شكرية يختفي من فرجة الباب فسأل أم حسن بهدوء:
ـ خاله وين احسوني؟
زمتت ام حسن شفتيها و تنهدت بحرارة طفقت قائلة و هي تحرك يدها اليمنى:
ـ خاله شاْگولْ و شاْسولفْ إنتَ موْ غريبْ علينَ مثْلِ اوْليدي، البارحة عمّك لمّ الْعَمامُ وْ راحِ الْذّاك الْصّوبِ الْ بيتْ عمّ احْسوني اْيْحاچونهْ عَ لَ مودْ خيريةْ لاْحْسوني و مْنِ البارحَةْ الْ ليّايِّ الدّْوبةْ متْعطْلةْ مَاْ اْيّانا لا طارِشْ و لا عِلِم.
عقارب الزمن تمشي بلا هوادة و الرجل العجوز يجثو أمام صندوق والده الخشبي العتيق المتكدس بالغبار و المغطّى بخيوط العنكبوت. رائحة أبيه لا تزال تملأ الغرفة فيحس انه طفل في العاشرة من عمره يتلقى وصايا والده الأبوية.
مسح الصندوق بالمنديل بعناية فائقة فطفرت دمعات ساخنة من عينيه فتناثرت على الخشب مم ساعدت في مسح الصندوق بشكل أفضل و الدوبة تنقل ذاك الصوب الى هذا الصوب و القرية تمتلئ بالضوضاء و الضجيج و في الحديقة نخلة واحدة واقفة على جذوع النخل المتقطعة النصف محروقة و هو يقاوم الذئاب مانعا اياها من الدخول الى الحديقة فقفز ذئب شرس من على السياج داخل غفوته فأيقضه و أيقض عيني شكرية البنيتين و طلعتها الجميلة (ما كان عليها أن توافق بابن عمها المدمن الكلب) نظر الرجل العجوز الى النافذة و تذكر أنه هرع بفزع نحو غرفته منتحبا بصمت قاتل عابرا شوارع الحميدية ساقطا من عمارة قديمة الطراز في نهر الكرخة ( ما كان عليها أن توافق، سأعيش تحت الماء بعيدا عن الواقع الموجود في خارجه) أحس بيد ترفعه و أصوات أنفاس متقطعة و متداخلة ها ها ال ال الح الحياة.( كانت تستحق إذ أعيش من أجلها تحت الماء) بعد انتهاءه من المسح فتح باب الصندوق فملأت أنفه رائحة البخور و الهيل و المسك و رأى في الجانب الأيمن ( دشْداشَة و خاچيّةْ و چفيّةْ بگْعةْ) و دلة قهوة مصنوعة يدويا و فنجاني قهوة بنقش أحمر و أزرق و في الجانب الآخر ثوبا نسائيا يختص للمآتم و فستانا بنيا يحمل ورود قانية اللون و عصابة ملتفة بعناية و حلى مرصعة بالخرز الأحمر و الأزرق.
أغلق العجوز باب و أخرجه بصعوبة من الغرفة و الحزن لا يفارقه ، أراد أن يضع الصندوق على طاولة الكمبيوتر لفترة قصيرة لكنه خشي لو يوسخ الطاولة فتغضب حفيدته سها و تقلبْ الدّنيا فوقْ حدرْ.
نعم حاليا عليه أن يخلي غرفة والده المرحوم أو بالأحرى غرفته لألعاب وديكورات سها التي تضم پلي استيشن والعاب كمبيوتر و سريرا و ديكور للأطفال، لكن أين يضع هذا الصندوق الذي لا يتناسق و لون البيت، فكر أنه يتكلم مع ولده حسين فدخل عليه و رآه منهمكا في كتابة قصة قصيرة و أراد منه ان يحتفظ بالصندوق، لكن ولده رفض هذا المقترح و أن غرفته لا تسع أكثر من مكتبة و طاولة و كرسيين فلم يناقشه العجوز كثيرا و قبل أن يخرج سأل حسين عن صديقه الذي أخرج فيلما حول الصندوق الخشبي (لا شك انه سيوافق بكل سرور و بلا تردد) و سأل ايضا عن صديقه الآخر الرسام، لكن فوجئ عندما سمع من ولده يقول:
ـ نحن سوف نخلد هذا الصندوق من خلال كتاباتنا و أفلامنا و رسومنا و...
فقاطعه العجوز و رد عليه بنزق:
ـ هل هو اصبح مندثرا حتى انكم تريدون تخليده، هناك الكثير من الناس الذين لايزالون يحتفظون بهذا الصندوق غير مستنكفين به.
هز العجوز رأسه مرات عديدة علامة الأسف و دخل غرفته، العقارب اجتازت النافذة و العتمة راحت شيئا فشيئا تجتاح المكان، عيناه اغرورقت بالدمع ( هذا الصندوق رغما عليه يجب أن يدخل بطون الكتب و اللوحات و الأشرطة أو يتبدل الى تماثيل في مراكز المدينة ، هل انهم يريدون إحياؤه أم ...)
نظر العجوز قبيل رحيله بلحظات من النافذة الى النوافذ الأخرى:
ـ يا ترى كم من هذه الصناديق لا تزال تقاوم المثقفين؟!